قصة قصيرة : حِكايةُ أَشْباحٍ | خوان خوسيه ميّاس
ترجمة أحمد عبد اللطيف، مراجعة محمد النصار
حينَ مات أبي، عثرتُ في واحدٍ من أدراج مكتب عمله على عُلبة كبريتٍ لم تُستخدم، رغم مرورِ أربعينَ عاماً أو أكثر عليها. أذهلتني. أعتقدُ أنَّ مصير الفوسفور هو الاشتعال مثلما مصير النجوم هو الانطفاء. تلك الأعواد، التي قد هربتْ من مصيرها الحتميِّ، تقعُ الآن في يدي لتخلق لي معضلة. افترضتُ في البداية أن رؤوسها قد فسدتْ ولابد أنها، بالتالي، قد ضاعت فرصتها في الاشتعال. لكني فكرتُ بعدها في أنه ربما لا، وفي هذه الحالة سأكون أنا أداة القدر لأنفِّذ مهمته. وخلال أيام، لعبتُ بفكرة إشعالها، لكني كنتُ أتراجعُ دوماً ربما مخافة أن تشتعلَ بالفعل، أو ربما مخافة ألا تشتعل. فما من احتماليةٍ من الاثنتين بدت مرحة.
بالأمس قُطع النورُ، وكنتُ وحيداً من دون أي شيء أضيئُهُ. وبعد برهة من الانتظار، تذكَّرتُ علبة كبريت أبي وبحثتُ عنها باللَّمس بين الأشياء التي تملأ مكتب عملي. وبخوفٍ، سحبتُ عوداً وفَرَكْتُهُ فوق صنفرة العلبة، فقفز لهبٌ في الحال ما إن استقرَّ بدأ يضيءُ المكان. الغريب أنه حين أضاء لم أرَ مكتبي، إنما مكتب أبي. وبينما كان ينفدُ عود الكبريت، كنتُ أرى مدهوشاً كلَّ رُكنٍ من أركان غرفةٍ كان محرَّماً عليَّ دخولُها وأنا صغيرٌ. حدَّقتُ، تحت هالةٍ جنائزيةٍ تميز بريق الفوسفور، في مكتب كان أبي يعمل عليه، وكان مليئاً، بالمناسبة، بصورٍ أيضاً، مثل مكتبي، وبجزء من سجادة باهتةٍ مترعة بحروق السجائر. بدا لي أن في عمق الغرفة ثمة صورة (أمي؟)، لم أستطع تمييزها جيدا لأن عود الكبريت حرق إصبعي واضطررت لإلقائه على الأرض، رغم أني لا أعرف فوق أي سجادة وقع، سجادة أبي أم سجادتي.
وبينما كنتُ متردداً في إشعال عود آخر أم لا، عاد التيّارُ الكهربائيُّ وقررتُ أن: لا. بعد قليل، عادتْ زوجتي وسألتني ما حدث لي.
- تبدو كأنَّكَ شاهدتَ شبحاً.
لم أقلْ لها إني شاهدْتُهُ بالفعل، أو كنتُ أنا شبحاً واقعاً أضاءهُ كبريتُ أبي. ومنذ الأمسِ وأنا أحاولُ استحضار الصورةِ الغائمةِ التي كانت في عمقِ الغرفة. كانت امرأةً، بالطبع، لكنَّها ربَّما لا تكون أمي. الأكبرُ من ذلك أنها لم تكنْ هي، إذ لو كانت هي لتعرَّفتُ عليها في الحال. صورةُ مَن إذن؟ أعتقدُ أني لن أستطيعَ التحقُّقَ من ذلك حتى يُقطعَ النور مرَّةً أخرى، وبهذا العُذْرِ الأخلاقيِّ أستطيعُ إشعال عودِ كبريتٍ آخرَ.