قصص | زكريا تامر : قبر خاو

 

قصص | زكريا تامر : قبر خاو

قصص | زكريا تامر : قبر خاو

زكريا تامر : قبر خاو




كان الجنرال رجلاً ذا رئتين ومعدة وأمعاء غليظة وأمعاء دقيقة وكبد وشرايين ملأى بالدم الأحمر، ولا يختلف عن غيره من الرجال إلاّ بكونه جنرالاً في جيش مُحارب في بلاد ليست بلاده، وكان الجنرال كثير الضجر من مهنته الخالية من الإثارة، ويحلم بأن يعمل يوماً في مزرعة لتربية البقر والغنم أو في مستشفى للمعوقين والمسنين، وكان الجنرال صارماً كثير الاكتئاب، لا يبتهج إلاّ حين يتخيل عصفوراً صغيراً يحاول الطيران ويخفق، ولا يبتهج إلاّ حين يتخيل جنوده المطيعين لأوامره يحتلون القرى والمدن متنافسين على هدمها وقتل سكانها، ولا يبتهج إلاّ حين يتخيّل أنه يزود جنوده بأسلحة قادرة على إبادة مئات الألوف في ثوان، فلا يحاولون استخدامها حتى لا يحرموا قتل أعدائهم ببطء وتشف، وابتهج في أحد الأيام ابتهاجاً مختلفاً حين تنبه إلى أن شعراً جديداً أسود بدأ ينبت في رأسه ويحلّ محل الشعر القليل الأشيب، وتباهى به دليلاً على الرجولة وعودة الشباب، وتزايد نمو شعر جسمه مغطياً الجلد بطبقة كثيفة خشنة، وتبدل شكل وجهه تدريجياً، وحاول في إحدى الليالي أن يستسلم للنوم، فأخفق، وأحس بقوة غامضة تجتاح كل جسده، فقفز من سريره، وتمطى أمام المرآة وهو ينظر إليها ملياً، فرأى أنه قد صار ضبعاً ذا مهابة مغطى بشعر كثيف، واستحالت أظافر يديه مخالب وأسنانه وأضراسه أنياباً، فاستمتع بتبدله، ودهمه جوع لا يقاوم، فانقض على عنق زوجته التي كانت نائمة، وقتلها قبل أن تصحو من نومها، ولكنه لم يستسغ لحمها المترهل القاسي، فتركها مشمئزاً، ووثب على ابنها الرضيع المبتسم إبان نومه، وأعجب بلحمه الطازج الغض.


وكان أحد حراس الجنرال واقفاً خارج غرفة النوم مشدود القامة وإصبعه على زناد بندقيته تأهباً لأي حدث طارئ، فبوغت بضبع يخرج من الغرفة ملطخاً بالدماء، فبادر إلى إطلاق النار عليه، وأرداه قتيلاً، فتراكض بقية الحراس مضطربين متصايحين، وعثروا على بقايا الزوجة وابنها، ولم يعثروا على الجنرال، فساد اعتقاد بأن الضبع أكله بأكمله، ولم يترك منه ما يحتاج إلى قبر.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-